في مشهد يجسّد روح الفورمولا 1 (F1) بأدق تفاصيلها، خطف لاندو نوريس من ماكلارين الأضواء في جائزة البرازيل الكبرى بعد أداء استثنائي من البداية حتى النهاية، محققاً فوزه الثاني على التوالي ومعززاً صدارته لبطولة العالم بفارق 24 نقطة عن أقرب منافسيه.

لم يكن سباق “إنترلاغوس” في ساو باولو عادياً، بل كان أقرب إلى معركة إستراتيجية عنيفة بين العقول والسيارات والإطارات.. انطلق السباق وسط أجواء متوترة بعد سلسلة من الأحداث غير المتوقعة في التجارب التأهيلية. ومع إطفاء الأضواء، بدأ نوريس بقوة مذهلة حافظ بها على مركزه المتقدم، في وقت تعرّض فيه زميله أوسكار بياستري لعقوبة زمنية بلغت 10 ثوانٍ إثر تسببه في تصادم مع كيمي أنتونيلي من مرسيدس، ما أدى إلى خروج تشارل لوكلير من فيراري من المنافسة.

ورغم تلك الأحداث، حافظ البريطاني على تركيزه، متجنباً كل الفوضى التي أحاطت به، ليعبر خط النهاية أولاً ويُثبت مجدداً أن لقب هذا الموسم بدأ يميل بوضوح نحو فريق مكلارين. خلف نوريس، جاء الإيطالي الشاب كيمي أنتونيلي في المركز الثاني مسجلاً أفضل نتيجة في مسيرته حتى الآن مع فريق مرسيدس، فيما أبدع ماكس فرستابن من ريد بُل في تقديم عرض مذهل رغم انطلاقه من منطقة الصيانة، حيث تمكّن من إنهاء السباق ثالثاً بعد معركة شرسة مع الزمن وثقب مبكر في الإطار الأمامي.

فرستابن، كعادته، لم يعرف الاستسلام، بل اعتمد على إستراتيجية إطارات ذكية منحته تقدم متدرج حتى وصل إلى المراكز الأمامية، مسجلاً أسرع لفة في السباق، ومحرزاً لقب “سائق اليوم”. في أعقاب الهولندي، حلّ جورج راسيل من مرسيدس رابعاً، بينما نال بياستري المركز الخامس.

يليه أولي بيرمان من فريق هاس في المركز السادس، وثنائي فريق ريسينغ بولز، ليام لاوسن وإسحاق حجار، في المركزين السابع والثامن. في حين اختتم كل من نيكو هولكنبرغ من كيك ساوبر وبيار غازلي من ألبين مراكز النقاط، محققين المركزين التاسع والعاشر على التوالي.

لم يخلُ السباق من الدراما. فقد شهدت اللفات الأولى اصطدام عنيف تسبب بخروج سيارة الأمان بعد حادث جابرييل بورتوليتو، بينما اضطر لويس هاملتون لتغيير جناحه الأمامي عقب احتكاك مع كارلوس ساينز وكولابينتو، قبل أن يتلقى عقوبة 5 ثوانٍ ويعلن انسحابه لاحقاً بسبب الأضرار. غيّرت هذه الحوادث موازين السباق بالكامل، وفتحت الباب أمام نوريس ليُدير إيقاعه بهدوء وثقة حتى النهاية.

بفضل هذا الانتصار، رفع نوريس رصيده إلى 390 نقطة، متقدماً على زميله بياستري صاحب الـ 366 نقطة، فيما يحتل فرستابن المركز الثالث بـ 341 نقطة.. أما على صعيد الفرق، فقد تمكن فريق مكلارين من حسم لقب الصانعين مبكراً بعد تفوقه الواضح على كل من ريد بُل ومرسيدس.

في هذا السياق، قال نوريس بعد اعتلائه منصة التتويج للمرة الثانية على التوالي:

“يا له من سباق مجنون! لم أكن الأسرع اليوم بصراحة، لكننا كنا الأكثر ثباتاً. هذا الفوز ثمرة عمل جماعي مذهل من مكلارين، وأنا فخور جداً بهذه النتيجة.”

وأضاف بابتسامة الواثق:

“ماكس كان سريعاً كالعادة، لكننا أثبتنا أننا نملك السرعة والعزيمة لتحقيق اللقب هذا الموسم.”

تتجه الأنظار الآن إلى سباق لاس فيغاس المرتقب، الأول ضمن الثلاثية الختامية التي ستحدد هوية بطل العالم لموسم 2025.

فهل يواصل نوريس سلسلة انتصاراته ويُتوج رسمًًا باللقب، أم يُفاجئه بياستري، أم يعود فرستابن، كعادته، ليقلب الموازين في اللحظة الأخيرة؟

كل الأنظار تتجه نحو أضواء فيغاس.. حيث السرعة تتجاوز الحدود الطبيعة..